الصّلاة الرّبانيّة هي أكثر الصّلوات انتشارًا وأكثرها شهرةً في تاريخ البشريّة، خاصّةً أن السيّد المسيح نفسه هو الّذي أعطانا إياها. وأهميّة هذه الطريقة في الصلاة أنها تصلح لتكون نموذجًا وخريطةً لمسيرة حياتنا.
هكذا إذًا علينا أن نصلّي:
"أبانا الّذي في السّموات، ليتقدّس اسمك، ليأتِ ملكوتك، لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم.واغفر لنا ذنوبنا، كما نحن نغفر لمن أساء الينا. ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير" (متّى 9:6-13)
عندما طلب الرّسل من السّيّد المسيح أن يعلّمهم الصّلاة، أراد الربّ ان يهتمّ بأدقّ التفاصيل، فأطلق الصلاة الربّانيّة مستعملا اسلوبًا يسهل حفظه.
الصلاة الرّبانيّة عبارة عن كلماتٍ بسيطة ومعروفة، عند تردادنا لها، نكون رددنا كلمات السيّد المسيح واشتركنا بصلاة موحّدة مع عددٍ كبيرٍ من المسيحيين حول العالم.
يمكن استخدام الصلاة التي اعطانا اياها يسوع بطريقتين مختلفتين:
كنموذج
تعتبر الصلاة الرّبانيّة بمثابة نموذجٍ كامل، لا عيب فيه ولا نقص. إنّها قصيدة ليتورجيّة، المُرادُ منها ان تتكرر باستمرار.إنها تعلّمنا ماذا نصلّي.
كخريطة
الصلاة الرّبانيّة تدلّنا كيف نعبّر عمّا في قلوبنا. كلّ جملة ممكن أن تطَبَّق وتفسح المجال أمام حوار شخصيّ طويل مع الآب. إنّها تعلّمنا كيف نصلّي.
اعتمدت الفرق الحاخاميّة(اليهود)، أيام السيّد المسيح، صلوات عقائدية فريدة خاصة بها. ويبدو أن أتباع يوحنا المعمدان كان لديهم صلوات مماثلة باعتبار أن تلاميذ يسوع عندما سألوه،"يا رب علّمنا أن نصلّي" أضافوا، "كما علّم يوحنا تلاميذه".(لوقا:11:11)
لم يطلب التلاميذ من الربّ أن يعلّمهم تقنيّات جديدة في الصلاة فقط، بل أرادوا أن يعطيهم بيان إيمان. لذلك تُعتبر الصلاة الربانيّة أقدم عقيدة مسيحية أعطيَت لنا من قِبَل المسيح نفسه بحوالي ثلاثة قرون قبل مجمع نيقية.
إذًا، تُعتبر الصلاة الربانيّة القاعدة الأساس لعقيدتنا في الحياة والإيمان. إنها تستحقّ التكرار، ومتى تمّ تَكرارها بانتظام، يمكن لحقائقها الاساسية أن تساعد بهدوء في تشكيل قلوبنا وعقولنا.
ولإدخال الصلاة الربانيّة في روتينك المنتظم، ما عليك سوى ضبط منبّه يوميّ في منتصف النهار.
سيكون ذلك مزعجًا في البداية،ولكن الهدف منه هو مقاطعتك عن عملك الذي لا ينتهي، لكي تستكن، تركّز على أولويّاتك ولتتأمّل في جوهر إيمانك.
وهذه ليست فكرة جديدة، فالديداخي( أو "تعليم الرسل") الّذي كُتب في القرن الأول بعد الميلاد، أعطى تعليماته للمسيحيين الأوَل ليصلّوا الصلاة الرّبانيّة ثلاث مرّاتٍ في اليوم، ربما كان ذلك انعكاسًا لعدد المرات التي كانوا يصلّون فيها في المعبد - الساعة التاسعة صباحًا،وعند الظّهر وحوالى الساعة السادسة مساءً.
انطلاقًا من هنا، يصبح مفهومًا سبب تخوّف بعض الناس من أن تصبح التّلاوة الآلية للصلاة نوعًا من التكرار الفارغ الّذي حذّرنا منه يسوع حقيقةً قبل ان يعطي الصلاة الرّبّانيّة في متى 6.
طبعًا لا يجوز أن نتلو الصلاة الربّانيّة من دون تفكير أو أن نتعامل معها كمن يؤمن بالخرافات، بل على عكس ذلك يجب علينا استخدام هذه الصّلاة الفعّالة لنرتّب حياتنا ونعدّ أرضًا صالحة لمعتقداتنا.
الصلاة الرّبّانيّة هي أيضًا بمثابة خريطة تساعدنا في إيجاد وسائل مناسبة لنصلي صلاتنا القلبيّة الخاصة.
عندما قال يسوع: "هكذا اذًا يجب أن تصلّوا" قصد أن يجعل تلاميذه هذه الصلاة دليلًا لهم أكثر منها غاية أو هدف.
عددٌ كبيرٌ من الناس يجد صعوبةً في الصلاة. فنحن حين نصلّي يتشتت انتباهنا ونجاهد لنعرف ماذا نقول. ولكن الصلاة الربانيّة هي ببساطة الحلّ لكلّ تلك المشاكل.
إن الكلمة الأولى فقط، من الصلاة الرّبّانيّة، وهي "أبانا" تدفعنا لنتوقّف ونصلّي لعائلاتنا.
"ليتقدّس اسمك"هي دعوة للعبادة.
"ليأتِ ملكوتك"هي فرصة لطلب المساعدة للأشخاصٍ والأماكن والحالات التي تثقّل على قلوبنا.
"أعطنا خبزنا كفاف يومنا" هي دعوة لنصلّي من أجل أكثر الحاجات إلحاحًا.
"اغفر لنا ذنوبنا"هي تحدٍّ لكي نسمّي ذنوبنا ونتذكّر أين أخطأنا.
عندما نصلي بهذه الطريقة، تصبح كل عبارة من الصلاة الربّانيّة بمثابة دعوةٍ للبدأ بمغامراتنا الشخصيّة في العبادة، التوسّل(أي الطلب بإلحاح)، الشفاعة، الاعتراف، والحرب الروحيّة.
بدّك تساعدنا نخلق موارد تساعد مجتمعاتنا على الصلاة والتواصل مع الله؟